بقلم: وضاح نصر عبيد الحالمي – خاص بالحقيقة نيوز
في أعالي جبال حالمين بمحافظة لحج، حيث السحب تعانق القمم، وتزحف الظلال على صدور الجبال، ترقد “النسري” شامخةً، عصيّة على الانكسار، لا تنحني أمام الرياح ولا أمام تقلبات الزمن.
النسري ليست مجرد نقطة على خارطة الجنوب، بل هي ذاكرة حيّة تنبض في وجدان كل من انتمى إلى ترابها. هي أول ضحكةٍ عرفها الكاتب، وأول زهرةٍ قطفها من بساتين الطفولة في وطنه الصغير الكبير.
في النسري، كما في حالمين عمومًا، تتجلى القيم الأصيلة؛ من الكرم والشهامة، إلى النخوة والشجاعة. لا يُسأل أحد فيها إن كان يكرم الضيف، فالكرم مغروس في الفطرة، لا يحتاج إلى دعوة أو تذكير.
من النسري إلى الدهالكة.. بداية الوعي والبناء
يستحضر الكاتب رحلته التعليمية التي بدأت من قريته النسري نحو مدرسة "الدهالكة" الأساسية، حيث درس حتى الصف الثامن، وتعلم على يد معلمين زرعوا في نفوس الطلاب أن الأخلاق أساس العلم، وأن الانتماء للوطن لا تكتبه الشهادات، بل يغرسه العمل والإخلاص.
وفي هذا السياق، يوجه الحالمي رسالة امتنان صادقة إلى معلميه، مؤكدًا أن المعلم هو النور الذي لا ينطفئ، وهو العيد الحقيقي في حياة كل طالب.
النسري… حيث الإرادة أقوى من الإمكانيات
يؤكد الكاتب أن أبناء النسري، رغم انعدام الخدمات الأساسية من طرق وكهرباء ومراكز صحية، عاشوا بكرامة، وسطروا قصص كفاح لا تُنسى. ويخص بالذكر مشروع شق طريق "حصص"، الذي تحقق بعزائم رجال لا تعرف التعب، من مختلف قرى حالمين.
كما يستحضر بتقدير خاص دور الفقيد صالح أحمد سعيد، الذي كان من أبرز المساهمين في تحقيق هذا المشروع الحيوي.
تكريم الأهل والأرض
وفي لمسة وفاء، يترحم الكاتب على والديه، ويحيي أمهات النسري اللاتي حملن الحطب والماء وزرعن الأرض بقلوب عامرة بالإيمان، كما يحيي رجالها الذين نحتوا الصخر، وصنعوا من القسوة أملاً.
ويختتم الحالمي مقاله برسالة عاطفية عنوانها الانتماء، مؤكدًا أن النسري ليست مكانًا يعود إليه، بل شرف يعيشه الإنسان كل يوم، وأن الأب والأم هما الأصل، والمعلم هو النور، والقرية هي الجذر الذي لا يموت.