الحقيقة نيوز / د. علي حسن الخريشي.
تمر علينا اليوم الذكرى الحادية والثلاثون لواحد من أكثر الأحداث مفصلية في تاريخنا الحديث: إعلان فك الارتباط الذي أعلنه الرئيس علي سالم البيض في 21 مايو 1994. لم يكن ذلك الإعلان مجرد خطوة سياسية عابرة، بل كان صرخة مدوية في وجه الخيانة والغدر، وتأكيدًا على حق شعب الجنوب في تقرير مصيره بعد أن تكشفت النوايا المبيتة وتفاقمت خروقات اتفاقيات الوحدة الاندماجية بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية.
خيانة الأمانة وبداية المؤامرة.
لقد أقدمنا على الوحدة بقلوب مؤمنة ونيات صادقة، مدفوعين بإيمان راسخ بوحدة الصف والمصير. فتحنا ذراعينا لإخوتنا في الشمال، متسلحين بصدقنا وأمانتنا التي تربينا عليها. ولكن سرعان ما تبددت تلك الآمال وتلاشت تلك الثقة. بدأ التآمر الممنهج على الجنوب، استغلالاً لصدقنا، وتوظيفًا لأمانتنا. كانت المؤامرة تنسج خيوطها في الخفاء، تستهدف مقدراتنا وهويتنا، وتحاول طمس تاريخنا وإنجازاتنا. لم يمض وقت طويل حتى أدركنا أن الوحدة التي كنا نبتغيها سلامًا واستقرارًا، قد تحولت إلى قيد يكبلنا، وبوابة للاجتياح والاستغلال.
إعلان فك الارتباط: صرخة في وجه العدوان المتعدد الوجوه.
في خضم تلك المؤامرة، ومع بدء حرب الاجتياح الغاشمة التي شنتها قوى الشمال، مدعومة بالجماعات الإرهابية التي استُجلبت من أفغانستان لتفتك بأرضنا وشعبنا، جاء إعلان فك الارتباط بمثابة رد فعل طبيعي وحتمي. لم يكن قرارًا سهلاً، بل كان قرارًا شجاعًا وضروريًا لإنقاذ ما تبقى من كرامة وعزة. كان بمثابة إعلان للعالم أجمع أن الجنوب يرفض الذل والهوان، ويتمسك بحقه في الحياة الكريمة على أرضه. لقد كان ذلك الإعلان بمثابة إعادة للتاريخ، وتأكيدًا على أن الجنوب يمتلك قراره، حتى وإن تكالبت عليه قوى البغي والطغيان.
من وعد الأمس إلى حقيقة اليوم.
قد يُقال أن إعلان فك الارتباط في 21 مايو 1994 م.لم يجد طريقه إلى التنفيذ الفوري آنذاك، ولكن التاريخ يثبت لنا أن الأفكار العظيمة لا تموت، وأن الحقوق لا تسقط بالتقادم. فما لم ينفذ بالأمس، سيتحقق اليوم.
اليوم، ونحن نحتفل بالذكرى الواحد والثلاثين لهذا الإعلان، نرى أن الظروف قد تغيرت، وأن موازين القوى قد تبدلت. لقد أصبحنا اليوم سادة على أرضنا، وحماة لديارنا. جيشنا الجنوبي الباسل ينتشر في كل ربوع الجنوب العربي، يحمي الحدود ويدافع عن المكتسبات، ويصون كرامة شعبنا. هذه القوة المتنامية، وهذا التلاحم الشعبي، يفرضان علينا أن نكون على أهبة الاستعداد لإعلان جديد لمثل هذا اليوم. إعلان يعكس إرادة شعبنا وتطلعاته، ويؤكد على حقه في استعادة دولته كاملة السيادة.
إن المرحلة الراهنة تفرض علينا أن نكون أكثر جاهزية ،ولن نسمح بعد اليوم بأن تضيع تضحياتنا سدى.
فك الارتباط لم يعد مجرد ذكرى، بل هو حقيقة تتجلى في كل يوم، في بسالة مقاتلينا، وفي عزم شعبنا. إنها دعوة للجميع للالتفاف حول قضيتنا العادلة، وحول ممثلها المجلس الانتقالي الجنوبي، والعمل يدًا بيد لتحقيق الاستقلال الكامل واستعادة دولتنا. اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحن على استعداد لتجسيد وعد 21 مايو 1994 م. في واقع ملموس، لنبني مستقبلًا مزدهرًا لأجيالنا القادمة في وطن جنوبي عربي حر وكريم.