بقلم: فضل القطيبي
الثلاثاء الموافق ٨/ ٤/ ٢٠٢٥م
الفساد لا يُعد فقط مرضًا اقتصاديًا ينهك الموارد، بل هو سرطان ينخر في مؤسسات الدولة، ويقوّض ثقة المواطن، ويؤخر التنمية. ولأن الفساد متعدد الوجوه، فإن القضاء عليه يتطلب مقاربة شاملة تبدأ من رأس الدولة حتى أصغر مؤسسة.
أول ما نحتاجه هو إرادة سياسية حقيقية. لا يمكن مواجهة الفساد إن لم تكن القيادة ملتزمة تمامًا بالشفافية والمحاسبة، وعلى استعداد تام لمساءلة كل من يعبث بالمال العام، بغض النظر عن منصبه أو انتمائه.
ثم يأتي دور المؤسسات الرقابية التي يجب أن تُمنح كامل الصلاحيات وتُدار باستقلالية تامة بعيدًا عن التأثيرات السياسية. هذه المؤسسات يجب أن تكون العين الساهرة على أموال الدولة، لا مجرد ديكور إداري.
ولا يمكن الحديث عن مكافحة الفساد دون تحقيق الشفافية الكاملة في إدارة المال العام. رقمنة المعاملات، ونشر تقارير الإنفاق والمناقصات والعقود للعلن، كفيلة بكشف التجاوزات ومنع التلاعب.
أما القانون العادل فهو العمود الفقري لهذه المعركة. يجب سن قوانين صارمة لمكافحة الفساد وتطبيقها دون محاباة أو استثناء. فلا حصانة لفاسد، ولا حماية لمن يختبئ خلف النفوذ أو القبيلة أو الحزب.
كما يجب أن نوفّر حماية قانونية للمبلغين عن الفساد، حتى لا يُكافأ من يبلغ عن الجريمة بالإقصاء أو التهديد، ويجب أن يتحوّل كل مواطن إلى رقيب يملك الثقة في أن القانون في صفه.
لا يقل أهمية عن ذلك دور الإعلام الحر والمسؤول، الذي يشكل جبهة متقدمة في فضح قضايا الفساد وتوعية الناس بخطورته. كما أن تعزيز الوعي المجتمعي بقيم النزاهة أمر لا غنى عنه، فالشعوب التي لا ترفض الفساد، ترضخ له دون وعي.
وأخيرًا، لا بد من إصلاح القضاء. القضاء المستقل هو صمّام الأمان وضامن العدالة، ومن دونه لن يطمئن أحد بأن الفاسدين سيحاسبون.
القضاء على الفساد ليس حلمًا مستحيلًا، لكنه يتطلب شجاعة سياسية، وعدالة قانونية، ومشاركة مجتمعية. فلنبدأ من الآن، ولنكن جزءًا من الحل، لا من التواطؤ.